غياب الحرية

ثنائيَّة

1- حداء الأُمَّهاتْ
حَنانيكَ يا ولدي
لكمْ اجتهدتَ في تعلُّمِ النُّطقِ
وكم سهرتَ للدراسةِ
والتحصيلِ وجمع المعرفةِ!
وعندما اكتملتْ حلقاتُ التحصيلِ،
ووصلتْ إلى قِمَّتِها
تكونُ رحلةُ العمرِ
قد أَشرفتْ على الإنتهاءِ.

ستمضي ...
ومعكَ كلُّ ما جنيتَ
من علمٍ ومعرفةٍ
إلى حيثُ تبدأُ رحلةٌ أَبديةٌ
لا يعلمُ إلاَّ اللهُ،
إذا كانَ لعلمِكَ ومعرفتِكَ
فيها مكانٌ...
***

2- حِداءُ الأُمُّهاتْ
يسألُ أَطفال الغربِ أُمهاتهم عن سببِ سفرِ آبائهم للإشتراكِ في حروبٍ خارجَ حدود بلادهم يُقتلونَ فيها، أَو يقتلون آباء وأُمهات الأطفالِ الآخرين ؟؟

الأُمُّهات تُجيب:

لا تسألي يا طفلَتي
عن سفرِ الآباءِ
لو خيُّروا ما سافروا
لكنَّهم جنودْ...
حكَّامُهم
تطاولتْ أَطماعُهم
لخارجِ الحدودْ

ما هَمَّهم من جُندهم
مَنْ عادَ أَو لا يعودْ ...
الكونُ أَمسى لعبةً
في ملعبِ الحكَّامْ
والفردُ أمسى تُربةً
تدوسُها الأَقدامْ ...

لا تَيأسي يا طِفلتي
الكونُ في مسارْ
والأرضُ في مسارْ
وكلُّنا نيامٌ ... واللهُ لا ينامْ ...!
***

سمعتهُ يُغَني

"دعيني أَمسكُ بيدكِ وأسيرُ بكِ عبرَ الشَّوارعِ،
علَّكِ تَرينَ ما يُغيِّرُ رأيك"ِ.

- علَّكِ ترينَ الرَّجلَ المُسنَّ وهو جالسٌ بمفردهِ
في إحدى المقاهي،
في ساعاتٍ متأخرة من الليلْ،
ليقنعَ نفسه بأنه ليس وحيداً.

- عَلَّكِ ترينَ الفيلسوفَ
الذي يبحثُ عن نفسِهِ،
ثمَّ يجِدُها في كلِّ ما هو شاذ ْ.

- علَّكِ ترينَ المجنونَ الذي
هربَ من مستشفى الأمراضِ العقليَّةِ،
لأنها مليئةٌ بالمجانينْ.
* دعينا نسير في الشَّوارعِ،
علَّكِ ترينَ من المشاهد ما لا تألفين.

- علَّكِ ترينَ الزوجة
التي أُرسلَ زوجها إلى جبهةِ القتالِ،
وهي تدعو إلى اللهِ أن يَقتُلَ ولا يُقتَلْ.

- علَّكِ ترينَ كثيرَ المالِ وهو يعِدُّ نقودَهُ،
وقليلَ المال وهو يُعِدُّ حبِّاتِ العرقِ وساعاتِ العملِ إلى أن يُنقدَ أجرهُ.
- علَّكِ ترينَ مَنْ يضحكونَ
من شدَّةِ التَّعاسةِ
والذين يتأففونَ
من شدَّةِ الرَّفاهيَّةْ.

- علَّكِ ترينَ السَّارقَ الشَّريفَ،
ومَنْ فقدَ شرفَهُ لأنهُ سرقْ.

- علَّكِ ترينَ رجالَ الدِّينِ
وهم يزرعونَ التَّفرقةِ
حيثُ وجَبَ أن يزرعوا المحبَّةْ.

* دعينا نسيرَ معاً في الشَّوارعِ
علَّكِ ترينَ ما لا تألفينَ:

- علَّكِ ترينَ أراضٍ ومواسمَ
تضيعُ من شدَّةِ القيظِ ...
ومواسمَ تضيعُ من شدَّةِ الطوفانِ.

- علَّكِ ترينَ ...
رؤساءَ الدولِ الإستعماريَّةِ
وهم يُشعلون الحروبَ
بإسمِ الديموقراطيةْ !
- وعلَّكِ ...
ترينْ فيما ترينْ
ربَّةَ البيتِ
وهي تُعطي وتُعطي
دونَ أن تُطالبَ
بالأجرِ
الذي يستحقُّهُ العبيد،
أو الإجازةِ
التي يأخذها العمالْ.
***

ألأرضُ ليست أرضي

في الغابةِ المرصَّعةِ بالزّهور والرياحين
في سماءِ موطني الجديدِ،
أَجلسُ على حافَّةِ الغديرِ
أَسمعُ خريرَ مياهِ الشَّلاّلاتِ،
يُقاطعُ أَفكاري نقيقُ الضَّفادعِ.
تتضاءلُ أَمامي المسافاتُ
تَنبتُ لي أَجنحةٌ من الخيالِ
لأَطيرُ إلى عالمِ النّسيانِ ...

إلاَّ شُعاعُ النُّورِ من الشرقِ
فلا أَنساهْ ...

هنالكَ ترقدُ والدتي
في قريتي الجنوبيةِ
هنالك مرتعُ طفولتي
هنالكَ تفَتَّحَ شبابي ...

تُرافقني الذكرى
فتُنسيني من شدّة بريقها
أَنني أعيشُ على أَرضٍ جديدةٍ
وفي أَجواء غريبةٍ.

الأَرضُ ليست أَرضي
والهواء ليس هوائي

الأَرضُ فيها الرَّاحةُ والأَمانْ
ولكنَّها ليست أَرضي
وأُناسها ليسوا بناسي ...

أَرضي تحترقُ ...
مَرقدي فيها سرابٌ
ومثوى والدي يحجبه الضَّبابُ ...
منـزلي تشَقَّقتْ جدرانُه
من دويِّ قنابل الدُّخلاءِ ...

رهوانتي (1) شَرَدَتْ
وكذلك غزالي ...

أَما أَشجارُ الزيتونِ
التي أَشرفَ والدي على غرسها
لا أَعرفُ لها مصيراً ...

داليتي الخضراءُ،
ذاتَ العناقيدِ الحمراءْ ...
البيادرُ ...
الحمامُ الطائرُ ...
زهورُ الأَقحوانِ ...

(1) - الرهوان: نوع من الخيول الأصيلة.

شقائقُ النعمانِ ...
حقولُ الذّرةِ،
مخبأُ طفولتنا،
ربوعُ الخلَّة الحمراء
ظلالُ أشجارِ الخرَّوبِ،
وثمارُ التِّينِ المُرَصَّعةِ
بندى الصَّباحِ ...
أَصبحت كلُّها
ذكرياتْ ...
***

الطفل طفل

تنام الأمُّ وطفلها على صدرها
يستحلبُ آخرَ قطرةٍ من لبنِها
ليفعل ما يشاء
فهي بحاجة إلى النّومِ،
بعد عناء اليومِ.
كلَّما يصرخ، تدفعُ بصدرِها
إلى فمه الحبيب لتسكته
قبل أن يحوّلَ ليلها إلى نهار.
الأمُّ أمٌّ، ... والطفلُ طفلٌ،
والفجرُ سريع البزوغ.

***

الحياة بنوك ومصارف

وقفَ ينفثُ دخان سيجاره
ينظرُ إلى الأُفقِ البعيد
تراوده أَفكارٌ وتساؤلات
لا يجد إنسجاماً بين ما يرى
وما يسمع.
الحياة ...؟
كلّها متناقضات
بل هي
بنوك ومصارف
ومرابون.
ملبورن 1992
**


السقوط المميت

* إن تسقط من فوق رابية، فإنك قد تُصاب ببعض الرضوض الخفيفة؛
* إن تسقط من علو بسيط، فقد تضطرب أَوصالك ولا تتكسَّر؛
* إن تسقط من علو شاهق، ولا تموت، تكون قد كُتبت لك السَّلامة؛
* وأَما أَن تسقطَ من علياء مثالياتك، أَو يسقط ضميرك بعد سموّ وعلو،
* فهذا هو السّقوط المميت.
***
نشرت في "قبل الغروب"

التلميذ

أَحمل كتبي كلّ يوم
أَمرّ في محطات الصباح
أَجلس على "الدّكة"
أَكتب، أَقرأ،
أُسأل، أُجيبب
ساعات وأَيام
كم من الأعوام تمر؟
وكم من الكُتب أَدرس؟
وإلى متى أَسير
مع القطعان؟
* الوظيفة؟
عبوديّة جديدة.
* الزواج
والإنجاب؟
فصل في مسرحية الحياة
وتسارع الأيام
والسنين
إنذارٌ بالنـزول
عن خشبة المسرح.
***

حبّات البَرَد

كلّما تساقطت حبّات البَرَد
واستقرَّت بين الأَعشاب
تَفرحُ التُّربة.
يُسعدُها أَن يذوبَ البَرَدُ
ويسري في جذورها
فينعش فيها
جفاف الجذور.
**

السعادة

تُضحكُني وتبكيني
تُزهدني فيمن عداك
أُغمضُ عينيَّ
عن كل ما حولي
لأَرى قامتك الآسرة
تروح وتغدو
في شراييني ...!
***

الحياة أَخذ وعطاء

مديونة:
للأَزهار والبلابل
للشّمس والقمر
للينابيع والأَنهار
للسّواقي والجداول
للنحل والنّعاج
للحقل والمشاتل
الحياة أَخذ وعطاء
فكيف أَستطيع أَن أُوفيها؟
وأَنا آخذ منها ولا أَعطيها؟
***
مُحرَّفة

غياب الحرية

عندما تغيب الحرية
تدمع عيون الخيول الأَصيلة
تتنفس النساء داخل جلودها
ويختلط المألوف بالاَّمألوف ...!
***
اقلب الصفحة من فضلك